في ذكرى عيد الجلاء: قراءة تاريخية مع د عبد الواحد المكني - "معركة بنزرت بين الدم والدبلوماسية"

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/68ef50bda88592.52595625_ngpfjloiqmekh.jpg width=100 align=left border=0>


استضاف برنامج "صباح الورد" على إذاعة الجوهرة أف أم، ضمن فقرة "ضيف الدنيا وما فيها" من تقديم حاتم عمارة وخليفة بن سالم، الأستاذ الجامعي والمؤرخ الدكتور عبد الواحد المكني، أستاذ التاريخ المعاصر والأنثروبولوجيا التاريخية، للحديث عن الذكرى 62 لعيد الجلاء الموافق لـليوم 15 أكتوبر 2025، التي تخلّد جلاء آخر جندي فرنسي عن الأراضي التونسية من مدينة بنزرت سنة 1963، بعد واحدة من أشرس المعارك في مسيرة التحرّر الوطني.


معركة الجلاء... من المقاومة إلى الانتصار الدبلوماسي


في بداية الحوار، ذكّر الدكتور عبد الواحد المكني بأنّ الجلاء عن بنزرت شكّل آخر حلقة في تصفية الاستعمار الفرنسي، بعد استقلال البلاد على مراحل، بدأت بالاستقلال الداخلي ثم السياسي سنة 1956، وصولاً إلى استكمال السيادة الوطنية بخروج القوات الفرنسية من قاعدة بنزرت البحرية والجوية والبرية.




وأوضح أن معركة بنزرت لم تدم أكثر من أربعة أيام (من 19 إلى 22 جويلية 1961)، لكنها كانت منعطفاً حاسماً في تاريخ تونس الحديث. وبيّن أن شرارتها اندلعت بعد محاولة فرنسا توسيع مدرج القاعدة الجوية بسيدي أحمد، وهو ما اعتبره الرئيس الحبيب بورقيبة آنذاك مساساً بالسيادة الوطنية.

وأضاف المكني أن بورقيبة راهن على تعبئة جماهيرية وطنية واسعة شملت الجيش والحرس الوطني والمتطوعين المدنيين، وخاصة القادمين من قفصة والكاف والقصرين، مؤكداً أنّ القتال دار في ظروف غير متكافئة، إذ كانت فرنسا تمتلك ترسانة عسكرية ضخمة من الأسلحة التقليدية والنووية، فيما كان الجيش التونسي حديث النشأة بعد مشاركته سنة 1960 في بعثة حفظ السلام بالكونغو.


خسائر بشرية فادحة ومعركة غير متكافئة

قدّر الدكتور المكني عدد الشهداء التونسيين رسميًا بنحو 700 شهيد و1500 جريح، بينما تجاوز العدد الحقيقي ذلك بكثير نتيجة دفن العديد من الضحايا في مقابر جماعية. وأشار إلى أنّ المدينة شهدت مجازر مروّعة بحق المدنيين الذين وجدوا أنفسهم وسط النيران، لافتًا إلى أنّ المعركة لم تكن مواجهة عسكرية فحسب بل كانت امتحانًا للكرامة الوطنية.

وأكد أنّ تونس ربحت الحرب سياسيًا ودبلوماسيًا رغم الكلفة البشرية العالية، إذ نجحت في كسب تأييد الرأي العام الدولي واستصدار قرار من الأمم المتحدة يدين التدخل الفرنسي، ما مهّد لخروج آخر جندي فرنسي من بنزرت في 15 أكتوبر 1963.



بورقيبة وعبد الناصر: زعامتان متناقضتان في الرؤية

وفي جانب من الحوار، تناول الدكتور المكني العلاقة المتوترة بين الرئيس الحبيب بورقيبة والرئيس المصري جمال عبد الناصر، قائلاً إنّ الخلاف بين الزعيمين كان فكريًا واستراتيجيًا بالأساس.
فبينما كان عبد الناصر يؤمن بالوحدة العربية والمواجهة العسكرية ضد إسرائيل، كان بورقيبة يدعو إلى الواقعية السياسية والحلول الدبلوماسية، ويرى أنّ "الحرب لا تُخاض دون تكافؤ في القوة".

وأضاف أن بورقيبة كان يؤمن باستقلالية القرار الوطني ورفض تبعية تونس لأي محور عربي أو غربي، مشيرًا إلى أن تلك القناعة جعلته زعيمًا مثيرًا للجدل داخل العالم العربي رغم تقدير الغرب له.


من معركة بنزرت إلى خطاب أريحا

وأشار المكني إلى أنّ معركة بنزرت كانت نقطة مفصلية في ترسيخ زعامة بورقيبة، التي توّجها لاحقًا بخطاب أريحا سنة 1965، حين دعا إلى "الاعتراف الواقعي بإسرائيل مقابل قيام دولة فلسطينية"، وهو ما اعتُبر حينها خروجًا عن الإجماع العربي، لكنه أثبت لاحقًا بُعد نظره السياسي بعد توقيع اتفاقات السلام العربية اللاحقة.


وثائق نادرة وشهادات بصرية من قلب المعركة

وخلال الفقرة، عُرض مقطع فيديو نادر من تصوير المخرج التونسي عمر الخليفي يوثّق مشاهد حيّة من معارك بنزرت والمجازر التي ارتكبها الجيش الفرنسي ضد المدنيين، إضافة إلى لقطات أرشيفية صُوّرت من طرف مصورين أجانب استُعملت لاحقًا كأدلة في الأمم المتحدة.

وعدّ المكني هذه الصور وثائق تاريخية لا تُقدّر بثمن، مؤكّدًا ضرورة ترميمها وحفظها ضمن الأرشيف الوطني لأنها تمثل شهادة بصرية على نضال التونسيين وتضحياتهم في سبيل الاستقلال التام.


اختتم الدكتور عبد الواحد المكني مداخلته بالتأكيد على أنّ عيد الجلاء ليس مجرد ذكرى تاريخية بل درس للأجيال الجديدة في حب الوطن والتمسّك بالسيادة، مضيفًا أن معركة بنزرت جسّدت وحدة الشعب والجيش والإرادة السياسية، وأنّ "الدم التونسي الذي سال في جويلية 1961 هو الذي كتب فجر الحرية في 15 أكتوبر 1963".




   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 316670


babnet
*.*.*
All Radio in One